[center]
[center]رمضان
بين الأطباء والشعراء
فكثير من الصائمين يقضون فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة ، ويحشون معدتهم بألوان عدة من الطعام ، وقد يأكلون في شهر الصيام أضعاف ما يأكلون في غيره ، أمثال هؤلاء لا يستفيدون من الصوم الفائدة المرجوة . يقول الشاعر معروف الرصافي وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب :
وأغبى العالمين فتى أكــول لفطنته ببطنته انــــهزام
ولو أني استطعت صيام دهري لصمت فكان ديـدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قــوم تكاثر في فطورهم الطعــام
فإن وضح النهار طووا جياعا وقد هموا إذا اختلط الظـلام
وقالوا يا نهار لئن تــجعنا فإن الليل منك لنا انتـقـام
وناموا متخمين على امتـلاء وقد يتجشئون وهم نــيام
فقل للصائمين أداء فــرض ألا ما هكذا فرض الصـيام
وإذا كان الجوع سببا من أسباب رائحة الفم الكريهة ، فإن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، كما حدَّث بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ويقول الشاعر الكبير محمد حسن فقي في قصيدة زادت أبياتها على 150 بيتا ، نظمها بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك :
[size=18]
رمضان في قلبي هماهم نشوة من قبل رؤية وجهك الوضـاء
وعلى فمي طعم أحسّ بأنــه من طعم تلك الجنة الخضـراء
لا طعم دنيانا فليس بوسعــها تقديم هذا الطعم للخلـفـاء
ما ذقتُ قط ولا شعرت بمثله ألا أكون به من السعــداء
وقال أحمد شوقي : " الصوم حرمان مشروع ، وتأديب بالجوع ، وخشوع لله وخضوع ولكل فريضة حكمة ، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة ، يستثير الشفقة ، ويحض على الصدقة ، ويكسر الكبر ، ويعلم الصبر ، ويسن خلال البر ، إذا جاع من ألف الشبع ، وحرم المترف أسباب المتع ، عرف الحرمان كيف يقع ، والجوع كيف ألمه إذا لذع " .
ويرى حجة الإسلام أبو حامد الغزالي أن الصوم ثلاث درجات :
" صوم العامة : وهو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة .
وصوم الخصوص : وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام . وصوم خصوص الخصوص : وهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة ، وكفه عما سوى الله تبارك وتعالى " .
يقول الصابي في الذي يصوم عن الطعام فقط ويدعو إلى التخلي عن العيوب والآثام :
يا ذا الذي صام عن الطعام ليتك صمت عــن الظــلم
هل ينفع الصوم امرؤ طالما أحشاؤه مــلأى مــن الإثم
ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول :
يا مديم الصوم في الشهر الكريم صم عن الغيبة يوما والنمــيم
ويقول أيضا :
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصوم صم عن كل فحشا
فهذا الشاعر أحمد مخيمر يناجي رمضان قائلا :
أنت في الدهر غرة وعلـى الأر ض سلام وفي السماء دعــاء
يتلقاك عند لقياك أهل الــــبر والمؤمنون والأصفيـــاء
فلهم في النهار نجوى وتسبيــ ـح وفي الليل أدمــع ونداء
ليلة القدر عندهم فرحة العمــر تدانت على سناها السماء
في انتظار لنورها كل ليــل يتمنى الهدى ويدعو الرجــاء
وتعيش الأرواح في فلق الأشواق حتى يباح فيها اللقـــاء
فإذا الكون فرحة تغمر الخلــق إليه تبتل الأتقيــــاء
وإذا الأرض في سلام وأمـن وإذا الفجر نشوة وصفــاء
وكأني أرى الملائكة الأبــــرار فيها وحولها الأنبيــاء
نزلوا فوقها من الملأ الأعلـــى فأين الشقاء والأشقياء ؟
إنه رمضان الخير الذي يرجع الروح إلى منبعها الأزلي ، فتبرأ من أدران الحياة ، وتتخلص من مباذل الدنيا ، وتتجه إلى الله خالق السماوات والأرض داعية مبتهلة . إنه رمضان الضيف الكريم الذي يعاود كل عام حاملا سننا علوية النظام كما يصوره الشاعر محمود حسن إسماعيل
أضيف أنت حل على الأنام وأقسم أن يحيا بالصــيام
قطعت الدهر جوابا وفـيا يعود مزاره في كل عــام
تخيم لا يحد حماك ركــن فكل الأرض مهد للخيـام
ورحت تسن للأجواء شرعا من الإحسان علوي النطام
بأن الجوع حرمان وزهـد أعز من الشراب أو الطعام
وهو يصور الصائمين المترقبين صوت المؤذن منتظرين في خشوع ورهبة نداءه :
جعلت الناس في وقت المغيب عبيد ندائك العاتي الرهيب
كما ارتقبوا الأذان كأن جرحا يعذبهم ، تلفَّت للطبيــب
وأتلعت الرقاب بهم فلاحـوا كركبان على بلد غريـب
عتاة الأنس أنت نسخت منهم تذلل أوجه وضنى جنـوب
إنه رمضان الذي تتجه فيه النفوس إلى الله بخشوع وإيمان .
يقول الشاعر مصطفى حمام :
حدِّثونا عن راحة القيد فيه حدثونا عن نعمة الحرمـان
هو للناس قاهر دون قهـر وهو سلطانهم بلا سلطـان
قال جوعوا نهاركم فأطاعوا خشعا ، يلهجون بالشكران
إن أيامك الثلاثين تمضــي كلذيذ الأحلام للوسنـان
كلما سرني قدومك أشجا ني نذير الفراق والهجـران
وستأتي بعد النوى ثم تأتي يا ترى هل لنا لقاء ثـان؟
[/center][/size][/center]